أ ميركا ومحاولة إغتيال الريــال الإيراني
د.نسيب حطيط
قامت المخابرات الأميركية بإنقلاب على حكومة مصدق في إيران وأطاحت به في العام 1954وأعادت الشاه محمد رضا بهلوي وذلك عقابا لمصدق لأنه أصدر قرارا بتأميم شركة النفط الإيرانية-الإنكليزية بريتيش پتروليوم تحت شعار" النفط الإيراني ملك الشعب "وسجن مصدق حتى وفاته.وقد سانده أبرز رموز المؤسسة الدينية الإيرانية آية الله كاشاني ، فأفتى بأن "كل من يعارض تأميم النفط الإيراني هو عدو للإسلام"
أميركا تعيد في إيران ما نفذته قبل ستين عاما لأن النفط الإيراني خرج من تحت سيطرتها ،وبعد العجز الأميركي العسكري والأمني بإسقاط النظام في إيران بدء من الحرب العراقية-الإيرانية إلى إغتيال القادة والعلماء والحصار العسكري لجأت إلى (الحرب الناعمة)الإقتصادية أو ما يعرف بشركات (القتل الإقتصادي).
وشركات القتل الإقتصادي تقوم على فلسفة(خنق العدو)إقتصاديا أو إجباره على التنازل عن موارده الطبيعية وثرواته النفطية أو المواد الأولية من المناجم عبر القروض وشركات إعادة الإعمار أو الإستثمارات بالتعاون مع ما يسمى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات التابعة بإدارة خفية من المخابرات الأميركية(السي-اي-اي) وخطة الغزو الإقتصادي أو القتل الإقتصادي تقوم على ما يلي:
- إفساد الرئيس والحكومة بالرشاوى وإغراق عائلته وبطانته بالفساد.
- توفير القروض المشروطة من الصندوق الدولي وغيره.
- فرض هيكليات إقتصادية كشروط لتأمين القروض.
- فرض نظام مخصصة القطاعات الحيوية(المياه والكهرباء....)ومن ثم شراؤها أي بيع الدولة وأمنها الغذائي والقومي.
- تغيير النظم التعليمية والقضائية وغيرها.
- وا؟لأمثلة الأميركية كثيرة ومنها:
- إسقاط مصدق في إيران عام1954.
- أسقطت الرئيس في غوانتيمالا عام1951أنه كسر إحتكار(شركة الفاكهة الدولية)
- تم إغتيال رئيس بنما عمر توريخوس بعدما أصر على إستعادة القناة من الأميركيين عام1989.
- تم إسقاط الرئيس الأكوادوري وإحراق طائرته وتحطيمها ليموت جيم رلدس في عام 1981.لأنه اصدر قانون الهايدروكربون الجديد، المناويء لمصالح شركات النفط العاليمة و بعد رفضه الرشاوى والإغراءات الأميركية ،و أصر على سياسة النفط والثروة للشعب وليس للشركات.
- الكونغو تعمل الشركات الأميركية لإحتكار مناجم"الكولتان"، الذي يستعمل في صناعة كل هاتف نقال وكمبيوتر محمول وقد قتلت بضعة ملايين من الناس في الكونغو في السنوات الأخير لإبقاء أسعاره متدنية .
- في لبنان شركات القتل الأميركية قبل الحرب الأهلية تتمثل بثلاث شركات
شركة (بروتيين) للصيد البحري والتي استشهد معروف سعد في أحد المظاهرات المطالبة بألغائها وحفظ حقوق الصيادين.
- شركة التبغ والتنباك(الريجي)والتي استشهد في أحد مظاهراتها الشهيد حسن حايك في النبطية.
- شركة كازينو لبنان.
وبعد ثلاثة وثلاثين عاما تعود أميركا إلى الساحة الإيرانية وبعد فشل ما يسمى(الثورة الخضراء)عام2009عبر التخريب الإقتصادي والمضاربة في السوق السوداء وذلك عبر محورين:
المحور الأول: منع تصدير النفط وحصار المصرف المركزي والتحويلات الخارجية لمنع إيران من قبض أثمان النفط في حال نجاحها بتصديره وتخفيض العملة الصعبة في الداخل الإيراني حتى صار تصدير السجاد الإيراني عملا إرهابيا بنظر الإدارة الأميركية والمؤسسات الدولية التي تسيطر عليها.
المحور الثاني: التلاعب عبر عملائها وشركاتها المتعددة الجنسيات بسعر صرف الريال الإيراني حيث هبط من حوالي(24000ريال)مقابل الدولار إلى أكثر من(36000ريال)في الأسبوع الماضي بحيث خسرمن قيمته بما يتراوح بين(17%-30%)وهذا ما يؤدي إلى تخريب النظام المعيشي والإقتصادي في إيران خاصة الطبقات الصغيرة التي تحتضن النظام وتشكل خط الدفاع الأول عنه،وقد استطاعت الحكومة من السيطرة على الوضع ورجع الريال الى حوالي (18500) مقابل الدولار .
المحور الثالث: التضخيم الإعلامي للأحداث وتسليط الأضواء على هذا الهبوط في الوقت الذي تعاني منه أوروبا وأميركا من نفس المشكلة فالإتحاد الأوروبي يعاني من مشكلة الديون والإفلاس والشلل الإقتصادي بما يهدد بزوال العملة الموحدة(اليورو)، وكذلك في أميركا نفسها حيث بلغ الدين السيادي الأميركي حوالي100%من الإنتاج القومي فالديون لأميركا بلغت حوالي1.32تريليون دولار والعملة الأميركية(الدولار)مهدد بالإنهيار لأن وزارة الخزانة الأميركية تطبع وتضخ بدون تغطية ذهبية أو إقتصادية حقيقية ماعدا الوقع المعنوي لأميركا والضغوط التي تمارسها على الدول الأخرى ولغياب سلة عملات بديلة حتى الآن ، مع أن بان كي مون حذر من إنهيار الدولار وأعلن أنه لا يشكل ضمانة في المستقبل.
ليس خافيا على أحد ما تتعرض له إيران من حصار إقتصادي وحرب شاملة منذ إنتصار الثورة وإستطاعت الإنتصار على الحصار وحققت الإكتفاء الذاتي لتأمين الإحتياجات المحلية ،ولذا فإن هذه الجولة من الحرب الجديدة وإن كانت ستؤثر على الساحة الإيرانية وتسببت ببعض القلق والإزعاج فإنها لن تشكل نافذة لتأجيج الحراك الشعبي لإسقاط أو إقلاق النظام لإلهائه عن مساندة حلفائه ،فإيران تعرضت لأقصى ما تتعرض له اليوم ولها من الركائز الإقتصادية المتنوعة والمتعددة مما يبقي إقتصادها فوق الخط الأحمر، وفي اللحظة المناسبة فإنها تستطيع قلب الطاولة في مضيق هرمز وقطع النفط عن مستورديه مما سيرفع الأسعار ويعوض عليها ما خسرته لترد الصفعة لأميركا وحلفائها وتابعيها ولن تنجح أميركا في لي ذراع الشعب الإيراني المجاهد .
الشعب الإيراني لن يبادل الكرامة والعزة برغيف الخبز معجونا بالذل ومن جرب أميركا مرة فلن يعيدها ثانية، خاصة وأن تجربة الشاه ومعاملة أميركا له لا زالت في أذهان الإيرانيين ولن يستطيع الشعب أن يكون عبدا لأميركا ويقدم لها أكثر مما قدمه الشاه ومع ذلك تخلت عنه فمصالحها فوق كل إعتبار.
معركة(الريـال)خاسرة ....وإيران منتصرة.